خـاتمـة:
نقيبي وعميدي وصديقي العزيز،
هذا ما لدي من رأي فيما استطعت فك رموزه من مداخلتكم – منفردا- في مؤتمركم الصحفي الباهت الأخير!
… وخارج النص، تابعت وقائع ذلك المؤتمر بانتباه وألم، فتذكرت وقفات صمودنا وممانعتنا المجيدة طيلة عقود الاستثناء وسنوات الجمر، دفاعا عن الحق والحقوق والعدل والحرية والوطن! وتذكرت أيضا – والشيء بالشيء يذكر- مهرجان “النفير والزحف المقدس” الذي عقدتموه في قصر المؤتمرات بتاريخ 25 أكتوبر سنة 2020، يوم غزا جيش المحامين عدوا وهميا (افتراضيا، صوريا، خياليا) بغية استرجاع أموال الشعب الوهمية المنهوبة، ولم يتجاوز “زِبِلّي”!
فتساءلت:
{وما أعجلك عن قومك يا موسى}؟ أين نخبة المحاماة التي كافحنا زهاء أربعين سنة في سبيل خلقها وصهرها وتهذيبها وصقلها في أتون معارك الدفاع عن الحق والحقوق والعدل والحرية والوطن أيام وليالي انواكشوط والعيون وكيهيدي وانواذيبو وواد الناگة وغيرها… حتى قال عنا، وعن مهنتنا النبيلة، الراحلُ الكبير محمد يحظيه ولد ابريد الليل رحمه الله: “المحاماة في موريتانيا كجوهرة في قمامة، وشعاع يضيء عتمة ليل الانحطاط البهيم”! وقال المحامون الفرنسيون الذين شَهِدوا ملحمة واد الناگه الخالدة: “إذا أردت الحصول على عدالة جيدة فاجمع بين محامي موريتانيا وقضاة فرنسا”!
وقد تذكرتم ذلك بحق في مهرجان “النفير” فقلتم للصحفي علي عبد الله ردا على تهنئته لكم: “شكرا علي عبد الله على التهنئة، وشكرا على اهتمامكم ومسايرتكم لهذه الوجوه التي عرفها هذا البلد في أوقات صعبة. وهي تظهر اليوم لله الحمد في هيئة هذا الدفاع. هذا في الحقيقة مفخرة لنا كمحامين”!
لكنْ، لِمَ لا تتذكرون يومها أيضا وجود استثناء لبعض تلك الوجوه؟
أين الأساتذة عبد القادر ولد محمد سعيد، المختار ولد اعلي الحسن ولد المختار، إبراهيم ولد ادي، أحمد ولد اعلي، محمد ولد أحمد مسكه، وغيرهم، وأين؟ وأين؟ وأين؟
وهل تساءلتم لماذا غابت عن جمع قصر المؤتمرات بعض تلك “الوجوه التي عرفها هذا البلد في أوقات الشدة” فكانت استثناء صعبا يستحيل القفز عليه؟ وها هي ذي تغيب كلها اليوم عن مؤتمركم الصحفي المذكور؟! فتغيب بغيابها شمس المحاماة، ويسجو ليلها، ويزول ما كان لها من ألق.. فلا يبقى سوى أطلال عشش فيها بوم شكل واجهة مشهد مؤتمركم الصحفي المَهِين!
فأين مضت تلك [البطولات] كلها ** وكيف مضى الماضي وكيف تبدلا؟
أيمكن أن تغدو [المحاماة] هكـــذا ** طلاء بدائيــا، وجفنــا مكحـــــــــلا؟!
كيف تنسون ذلك الماضي المجيد، وبعض من صنعوه معكم جنبا إلى جنب، ومنكبا بمنكب، وتُصَلّون في محراب عدو تاريخي “يَعِشْ أبد الدهر بين الحفر”؟! {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} (الأنعام، الآية 40)! أم “ذهبت قريش”؟ وبقي مجد ومنجزات وصدق ومكانة من تتهمونه بالفساد كيدا وظلما وعدوانا، شامخة وراسخة في نفوس وقلوب وعقول الشعب الموريتاني وأحرار العالم، مجلجلة في عنان سماء الوطن تقض مضاجع المترفين والمفسدين والمفترين والمرجفين والخونة..
ليس من حقكم توظيف تاريخ مهنتنا المجيد في تسويغ وتسويق وتبييض الباطل والظلم، والانقلاب على دستور ومؤسسات الدولة، وتضليل الشعب، وتزوير إرادته وسحق طموحه المشروع، ونحن ما نزال على قيد الحياة.
ترى بأي ثمن صعدتم بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وبمجد مهنتنا النبيلة، إلى درك الحضيض؟
صحيح أنكم تنتمون إلى جهة لن يغفر مترفوها ومفسدوها للرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه لم يسلم موريتانيا على طبق من ذهب (سنة 2008) إلى الرئيس أحمد ولد داداه فتتناهشها عصابات “مستقلي” الحزب الجمهوري التي تحاصره وتتخذه مِجَنّا لتحقيق أطماعها ونزواتها، كما فعلت مع أخ له من قبلُ! ولكنكم تنتمون أيضا إلى الكادحين الذين تمردوا على الجهوية والقبلية والإتنية، وآمنوا بموريتانيا واحدة لا تتجزأ، ونذروا أرواحهم فداء للوطن، وقربانا لمصلحة وعزة وشموخ الدولة والشعب! ونمتكم – قبل هذا وذاك- أرومة اجتماعية كريمة خُلُقُها الورع والعفاف ورفض الظلم ونبذ الطغيان! وقد درستم القانون، وامتهنتم المحاماة، وتبنيتم الدفاع، ونأيتم في الماضي عن حبائل الاتهام والمكر؛ و«لن يغلب عسرٌ يسرين»!
وللمرجفين والانتهازيين والخونة والذباب أقول:
على رِسْلِكُم! إن مثلي مع صديقي وعميدي ونقيبي الأستاذ إبراهيم ولد أبتي كمثل أرسطو مع أفلاطون. يقول أرسطو: “إني أحب الحق وأحب أفلاطون، فإذا افترقا، فالحق أولى بالمحبة”!
ومهما أخطأ النقيب، فسيظل في نظري صقرا، بخلاف جل من يصطف معهم اليوم! و”قد يهبط الصقر (كما يقول مثل روسي) إلى مستوى الدجاج، ولكن الدجاج لا يستطيع أن يحلق في سماوات الصقر”!
1