بمجرد أن يتمكن العالم من محاصرة فيروس كورونا المستجدة (كوفيد-19) والقضاء عليه – وسيتم ذلك بغض النظر عن الثمن البشري الذي سيترتب عليه فقد واجهت البشرية في مفاصل من تاريخها أوبئة بعضها أكثر فتكا من كورونا وتمكنت في نهاية المطاف من صدها-سيفتح الطريق واسعا أمام جرد الفواتير المالية لهذا الوباء.إن المتتبع لقرارات البلدان الغنية في إطار حملتها ضد كورونا لا بد وأن يدرك أن أمرا جللا ينتظر النظام الاقتصادي العالمي وأن أسس النظام المالي الدولي قد تزعزعت بشكل لابد وأن يؤثر على الضعيف قبل القوي.لقد عبأت الدول الصناعية وسائل مالية ضخمة في إطار جهودها لمحاصرة انتشار فيروس كورونا والتصدي له وهي وسائل تعددت بتعدد آليات التدخل في كل بلد وأوجه صرف المبالغ (دعم المنظومة الصحية، دعم مخابر الأبحاث عساها تطور لقاحا وقائيا أو علاجا للإصابة بالفيروس، توفير وسائل الوقاية، التكفل بعلاج المصابين، التكفل بمصاريف الحجر الصحي، تعويض المصانع والمقاولات والمؤسسات عن خسائرها جراء وقف العمل والانتاج، تعويض شركات الخدمات والفاعلين السياحيين والتكفل بخسائر السلاسل الإنتاجية).وفيما يتعلق بالأثر على النمو تنشغل حاليا مختلف هيئات الإحصاء و البرمجة الاقتصادية وطنية كانت أو دولية في تقييم آثار هذا الوباء على النمو الاقتصادي وستتم في أقرب الآجال مراجعة معدلات النمو المتوقعة لسنة 2020 على أساس تحيين للفرضيات بإدخال أثر المتغيرات الجديدة الناتجة عن تسيير أزمة مواجهة الوباء. وهكذا وعلى أساس فرضية تمكن الصين من محاصرة الفيروس وعدم تسجيل حالات وبائية في بقية بلدان العالم المصنع (فرضية لم تعد قائمة) فقد قلصت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في نهاية فبراير توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي لسنة 2020 من 2.9 % إلى 2.4 % وهو أدنى مستوى منذ سنة 2009 أما والحالة الوبائية ظهر أنها خرجت عن السيطرة أو تكاد فقد تمت مراجعة هذا المعدل لسنة 2020 ليصل 1.5% في تحيين أولي قبل أن يصدر أمس عن نفس المنظمة تقدير كلفة كل شهر من توقف الاقتصاد بنقطتين من نسبة النمو وهو ما يعني نسف سنوات من الرخاء.وتتوقع أكثر السيناريوهات تفاؤلا (السيطرة على الفيروس في الشهور الثلاثة القادمة) وبالوتيرة الحالية لانتشار الفيروس ضياع 25 مليون فرصة عمل عبر العالم وهذا مضافا إلى ما قبله قد يجعلنا نكتشف ولو بعد حين أن أزمة الكساد لسنة 1929 لم تكن سوى نزهة.أهم الردود العالمية:في الصين قام البنك المركزي بتخفيض معدل الاحتياطات الاجبارية للمصارف ما مكن هذه من الحصول على سيولة إضافية بأكثر من 75 مليار دولار لدعم الاقتصاد ولكن هذا الاجراء يظل دون المستوى بالنسبة لما كان متوقعا فقطاع الخدمات في الصين والمساهم ب 60% في الناتج الداخلي الخام تعطل كليا خلال أسبوعين من فبراير وعاد للعمل بنصف طاقته خلال الأسبوعين الأخيرين. تعول الصين كثيرا على استعادة اقتصادها عافيته خاصة في القطاعات الخدمية والصناعية المرتبطة بالتجهيزات الطبية الآن وقد سيطرت ظاهريا على انتشار الفيروس وبدأ هذا الأخير العبث باقتصاديات أوربا وأمريكا.في الولايات المتحدة قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أوج أزمة انتشار وباء كورونا وفي خضم عاصفة ضربت أسواق الأسهم في وول ستريت وغيرها من بورصات العالم خفض معدل الفائدة المديرية مرتين منذ بداية شهر مارس الجاري فقد خفًض معدل الفائدة يوم 3 مارس بخمسين نقطة أساس لتستقر في حيز ما بين 1 و1.25 بالمائة وعاود الكرة يوم 16 مارس بتخفيض جديد وهذه المرة بمائة نقطة أساس لتستقر في حيز ما بين 0 و0.25 بالمائة وقد أعلن عن إجراءات مصاحبة تمثلت في ضخ سيولة هائلة في النظام المصرفي عبر شراء قيمة 500 مليار دولار من سندات الخزينة و 200 مليار دولار من الأصول المرهونة وموازاة مع هذه الإجراءات مرر الكونغرس بطلب من إدارة اترمب حزمة برامج فيدرالية بقيمة ألفى مليار دولار وهو رقم مرشح للتطور مع الانتشار الوبائي غير المسبوق لفيروس كورونا في الولايات المتحدة وتعطل ماكينة أكبر اقتصاد في العالم.في أوربا – البؤرة الجديدة لفيروس كورونا – أعلنت رئيسة البنك المركزي الأوربي الفرنسية كريستين لاغارد عن قرار البنك ضخ 750 مليار دولار في عملية شراء واسعة لسندات الديون العمومية والخصوصية كرد أولي لتجنب انهيار الثقة في المصارف الأوربية والمنذر بانهيار المنظومة المالية وما لذلك من تداعيات كارثية على الاقتصادات الأوربية. طبعا واصلت الدول الأوربية وبنسب متفاوتة الإعلان عن برامج للتصدي والمواكبة اختلفت من إعفاء العائلات من تسديد فواتير الماء والكهرباء والغاز وتعويض الانقطاع عن العمل الناتج عن الوضعية الصحية وضخ أموال إضافية في المنظومة الصحية والمنظومة البحثية إضافة إلى السماح بتجاوز عجز الموازنة لسنة 2020 لحاجز 3% المفروض وفق معيار ماستريخت المرجعي للاتحاد الأوربي.وفي بريطانيا أعلنت حكومة بوريس جونسون حزمة إجراءات أولية من 35 مليار دولار لدعم الاقتصاد وذلك قبل الإعلان عن إجراءات أكثر حزم مع الانتشار السريع لفيروس كورونا بالبلاد تمثلت في فتح خط ضمان لقروض بقيمة 360 مليار دولار للمقاولات والشركات المتعثرة بفعل توقف النشاط و22 مليار دولار كتخفيض للضرائب وكإعانات.أهم الردود العربية:جريا على عادتها التليدة في غياب أي تنسيق وجدت الدول العربية نفسها في وضع لا تحسد عليه إذ تراوحت مواقف هذه الدول ما بين ردود تحاول مواكبة الأزمة وأخرى دون مستوى الحدث وثالثة جد محتشمة في انتظار معرفة مسار انتشار الوباء وستتناول هذه الورقة أهم الردود في منطقتي الخليج والمغرب العربي وهكذا أعلنت السعودية حزمة إجراءات بقيمة 32 مليار دولار منها 40% موجهة لدعم المصارف والمقاولات الصغيرة وذلك رغم خفض توقعات إيرادات الموازنة ب 13 مليار للأخذ بالاعتبار الانخفاض الحاد لسعر البترول وقد أقرت دولة قطر حزمة إجراءات نوعية لمواجهة آثار الأزمة وتمثلت في رصد 20 مليار دولار لمساعدة القطاع الخاص و توجيه البنك المركزي لحث المصارف على تعليق سداد أقساط القروض المستحقة للمصارف على الخواص لمدة ستة أشهر واستثمار الصناديق الاستثمارية ل 3 مليار دولار في البورصة.وبادر المغرب في خطوة استباقية إلى إنشاء صندوق خاص لتسيير آثار أزمة كورونا عبأت الدولة فيه مليار دولار وفتحت الباب للتبرعات أمام الخواص وفي موريتانيا اعتمدت المقاربة المعلن عنها على تغليب البعد الاجتماعي لتوفير مظلة آمنة للفئات الهشة وذلك من خلال إنشاء صندوق خاص للتضامن الاجتماعي عبأت الدولة فيه 70 مليون دولار كمنحة أولية وترسيم إعانات مالية ل 30 ألف أسرة فقيرة والإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية علي السلع الأساسية وقد جاءت هذه القرارات تعضد ما قيم به حديثا من إنشاء للمندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الاقصاء بموازنة إجمالية تقدر ب 550 مليون دولار للسنوات الخمس القادمة كما قام البنك المركزي الموريتاني بتخفيض معدل الفائدة المديرية بمائة وخمسين نقطة أساس لتستقر عند 5 بالمائة بدل 6.5 بالمائة وتخفيض نسبة الاحتياط الاجباري للبنوك الوسيطة لديه من 7 بالمائة إلى 5 بالمائة وفي الجزائر تواجه المالية العمومية تبعات أزمة كورونا على الجباية بفعل اضطراب النشاط الاقتصادي ولم تكن التقلبات الحالية في سوق النفط العالمي (هبوط سعر البرميل من 66 دولار إلى 23 دولار) إلا لتزيد من تعقيد الوضع وهذا ما قاد السلطات إلى اتخاذ إجراءات استباقية تمثلت في تقليص نفقات ميزانية التسيير ب 30% دون المساس بالقطاعات الاجتماعية كما تم إقرار تخفيض قيمة فاتورة الاستيراد من 41 مليار دولار إلى 31 مليار دولار وتم توجيه شركة البترول والغاز العمومية سوناطراك بتخفيض نفقاتها الاستثمارية بنسبة 50% لعدم التعريض باحتياطي الصرف البالغ حاليا حوالي 62 مليار دولار وفي تونس أعلنت السلطات خطتها لمواجهة الأزمة وذلك برصد حوالي مليار دولار ما بين إعانات للفئات الهشة و خط ضمان للمقاولات وإنشاء صناديق استثمارية ب 250 مليون دولار لقيادة جهود العودة للوضع الطبيعي بعد الأزمة بالنسبة للوحدات الاقتصادية المتعطلة كما أقر البنك المركزي التونسي خفضا لنسبة الفائدة المديرية بمائة نقطة أساس لتستقر عند 6.25 بالمائة ما من شأنه أن يقلص من عبء التكاليف المالية للمقاولات كما يتم العمل على منح تأجيل لمدة ستة أشهر لسداد أصول وفوائد القروض المستحقة للمصارف على وحدات القطاع الخاص.أهم سيناريوهات أزمة كورونا:السيناريو الأول: عدم السيطرة على فيروس كورونا المستجد في أفق ثلاثة أشهر بكل أنحاء العالم تعني احتمالية هذا السيناريو مواصلة حصد الفيروس للآلاف من الأرواح البشرية ومواصلة تعبئة موارد مالية إضافية لإسناد المنظومة الصحية وهو ما يعني تأجيل المشاريع الاستثمارية وتحييد مشاركتها في خلق الثروة وفي خلق فرص العمل. لن تساعد التقلبات بأسواق الأسهم وظهور ’’نرفزة ’’ في حركة مؤشراتها بوتيرة غير منتظمة على عافية المنظومة المالية العالمية. ستقاتل الولايات المتحدة لآخر رمق دفاعا عن الدولار ولكن ليس متوقعا أن تقاتل بنفس الاستبسال للحد من التضخم (عدو البشرية المقبل بعد السيطرة على كورونا). ستجد المصارف حول العالم نفسها عاجزة عن توفير السيولة ولن يكون بمقدور المصارف المركزية إنقاذها إلا بقرارات كارثية على التضخم حين يتم اللجوء لطباعة العملة دون مقابلات إنتاجية.لن يكون العالم بخير حين تهتز ثقة المودعين بالمصارف ولأن المصائب لا تأتي فرادى فقد طالبت منظمة الطيران المدني الدولي ب 200 مليار دولار كتعويض أولي لشركات الطيران عن خسائرها جراء حظر الرحلات التجارية لحد الآن. لم يتم بعد جرد فاتورة القطاع السياحي والخدمي ولا خلاف على أنه كان من أكبر المتضررين.ستعيش البلدان النامية في إفريقيا (بالأخص جنوب الصحراء) وبعض بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية ظروفا قاسية ومجاعات نتيجة استنزاف أرصدتها من العملات الصعبة بفعل الارتفاع الصاروخي لأسعار السلع الغذائية المستوردة وانهيار الطلب العالمي على صادراتها من المواد الأولية ينضاف ذلك للأعداد الهائلة المتوقعة من ضحايا وباء كورونا بفعل عدم جاهزية المنظومات الصحية لمواجهة كوارث بهذا الحجم.السيناريو الثاني: السيطرة على فيروس كورونا المستجد بحلول نهاية العام في آسيا وأوربا وأمريكا وفق هذا السيناريو ستتداعى أوربا والولايات المتحدة والصين وروسيا وأستراليا لرسم معالم نظام اقتصادي عالمي جديد وانتهاز الفرصة ’’لإصلاح ’’ منظمة التجارة العالمية وربما التحلل من بعض التزامات اتفاقية المناخ العالمي ولن يكون من خيار أمامهم إلا أخذ العبرة من الفشل الذريع في تنسيق جهود التصدي خلال أزمة وباء كورونا. سيصاحب هذا المسار لا محالة التفكير في آليات جديدة لعمل النظام المالي العالمي الجديد فالمنظومة الحالية بدت عاجزة عن مواكبة الحدث وليس مستبعدا أن تم تغييبها عمدا لفتح الطريق أمام مراجعات ستتم حصرا من طرف اللاعبين الكبار. ليس مستبعدا أيضا أن تطال المراجعات منظمة الأمم المتحدة (ما سيق من مبررات وأدى للتخلص من عصبة الأمم قبل 74 سنة يجد البعض وجاهته اليوم للتخلص من الأمم المتحدة أو ترويضها بشكل مذل مع اختلاف جذري في السياقين) والهيئات المتخصصة المنبثقة عنها فمنظمة الصحة العالمية بالنسبة للبعض اكتفت بلعب دور وكالة الأنباء المتخصصة خلال أزمة وباء كورونا.ستحصل كل هذه المراجعات بغياب إفريقيا وأمريكا اللاتينية فقد تكون هاتان القارتان في أوج الانشغال بتسيير الآثار الكارثية للوباء وهي آثار قد تتجاوز بكثير في فداحتها ما خلفه الوباء في الصين وفي أوربا وتلك نتيجة منطقية لرداءة المنظومة الصحية وترهل شبكات الخدمات الاجتماعية وبالأخص شبكة التزويد بالمياه الضرورية للشرب وللنظافة، ليس مستبعدا أن تتغير الديموغرافيا جذريا في بعض هذه البلدان.وإضافة لهذه الآثار ستتحمل البلدان النامية تبعات انسداد مسالك التموين والارتفاع الكبير لأسعار السلع الأساسية الذي ستشهده السوق العالمية وتدهور أسعار صادراتها من المواد الأولية لضعف الطلب العالمي وهذا ما ينبغي أن يدفع هذه البلدان إلى التفكير في آليات استعجالية من قبيل طلب موافقة الدائنين (الثنائيين أو متعددي الأطراف) على تعليق سداد أقساط أصول وفوائد القروض المستحقة لسنة 2020 دون أن يكون لذلك أثر على الفوائد وهو ما من شأنه خلق فضاءات ميزانوية ينبغي توجيهها لسياسة التصدي وشبكات الأمان. السيناريو الثالث: السيطرة على فيروس كورونا المستجد بحلول نهاية العام في كل أنحاء العالمسيكون هذا السيناريو في حال حصوله أقل كارثية على النظام الاقتصادي والمالي العالمي إذ سيقود إلى إصلاحات جذرية لا مناص منها ولكن دون تغييب للبلدان النامية بما سيضمن الإصغاء لأصواتها أو على الأقل عدم ظلمها بشكل فج باسم الإصلاح. لن تتعافى القطاعات الرئيسية في جل بلدان العالم إلا باعتماد خطط إنقاذ شاملة متعددة السنوات ولن تنجح أي من تلك الخطط في البلدان المصنعة إلا إذا تم تفعيل آلية الرد المنسق سواء ضمن الاتحاد الأوربي أو مجموعة السبع وهذه فرضية تبين عدم تحققها خلال أزمة الوباء فقد ترك الاتحاد الأوربي إيطاليا تواجه كارثتها الوبائية لوحدها بل المفارقة أن الصين هي من تدخلت لمد يد العون لإيطاليا وتبدو اليوم إسبانيا وفرنسا تسارعان الخطى على مسار كارثة إيطاليا. لن يكون تعويل البلدان النامية على ’’سخاء ’’ المانحين مبررا فلكل من هؤلاء يومئذ شأن يغنيه فكل بلد سيكون منشغلا بسد الفجوة الهائلة التي خلفتها كورونا على ماليته العامة وعلى مختلف مكونات اقتصاده. وفي محصلة هذا السيناريو بالنسبة للتداعيات على البلدان النامية فإن الضغوط الهائلة على المالية العامة المنهكة أصلا في هذه البلدان وتعطل المقاولات وترهل شبكات الحيطة والأمان الاجتماعي إن وجدت أصلا قد يقود لدول فاشلة في عدة مناطق من العالم وصراعات عرقية وحروب أهلية ستوفر حاضنة جديدة للإرهاب والجريمة المنظمة.لن يكون مستغربا والحالة بهذه القتامة أن خطة الإنقاذ المقبلة للاقتصاد العالمي ستكون أكبر خطة في تاريخ البشرية فلا وجود لقطاع واحد ناج من آثار أزمة كورونا وقد لا يكون من المسؤولية أن تحل البلدان المصنعة مشاكلها وتترك البلدان النامية تغرق في الفوضى لكن متى كانت الأخلاق محددا للأدوار في تسيير النظام العالمي؟خلاصة:لا خلاف على أن هناك ما قبل كورونا وما بعدها فعالم الغد سيكون بكل تأكيد مغايرا عن العالم كما كنا نعيشه قبل أسابيع وطبيعي جدا أن يكون التحول تدريجيا حسب وتيرة التعافي من وباء كورونا وفق أحد السيناريوهات الثلاثة أعلاه. تنتظر أوربا أوقات عصيبة فاتحادها لن يسلم من هزات ارتدادية عنيفة مصدرها الفشل الذريع في تجسيد التضامن الأوربي خلال الأزمة كما يتوقع أن تواجه أمريكا صعوبات قد تسرع من وتيرة انحسار دور واشنطن كأكبر قوة اقتصادية في العالم.أما بالنسبة للمنطقة العربية فأمام صناع القرار لحظات حاسمة لانتشال مجتمعاتهم واقتصاداتهم من تداعيات أزمة كورونا، فلا مناص من إصلاح المنظومة المصرفية بكل بلد عربي بإحداث تكتلات بين المصارف المحلية تفضي لمؤسسات مصرفية قادرة على لعب دور ريادي في تمويل الاقتصادات المحلية.لقد حان الوقت لتنويع القاعدة الإنتاجية في البلدان العربية قصد الحد من التبعية للعامل الخارجي في تموين السوق المحلي وما لذلك من أثر سلبي على استنزاف الاحتياط من العملة الصعبة وما يترتب عليه أيضا من عدم الاطمئنان على مسالك التموين. وفي ذات السياق فقد حان الوقت للاعتناء بالقطاع الزراعي وعصرنة وسائل الإنتاج المعتمدة به قصد تحقيق الاكتفاء الذاتي في مرحلة أولية والاندماج في المنظومة الاقتصادية العالمية بما يضمن الحد من التبعية للعامل الخارجي ومن التبعية لمورد وحيد لتغذية الموازنة (النفط والغاز في الخليج وليبيا والجزائر، الصيد والفوسفات والسياحة بالمغرب والصيد والحديد بموريتانيا، السياحة بمصر وبتونس) كما أصبح لزاما تكثيف المقاولات في قطاعات الأشغال العامة والصناعات التحويلية دون إهمال لقطاع الخدمات. القادم يدعو للقلق وليس مؤكدا أن سياسة النعامة ستظل الملاذ الآمن لمن لم يخبر قط غيرها مهما كان تموقعه في عالم اليوم.خبيـر في استراتيجيات التنميةصحيفة رأي اليوم |