يحتدم الجدل داخل الأوساط الطبية والصحية في موريتانيا، منذ أن ظهرت ثامن إصابة مؤكدة بفيروس «كورونا» المستجد، أعلن عنها بشكل رسمي صباح أمس الأربعاء، إذ تضاربت فحوصاتها، قبل أن يحسم الخلاف بفحص الأجسام المضادة الذي أكد بشكل نهائي إصابتها بالفيروس.
ولكن ذلك لم يحسم الجدل بخصوص «الحالة الثامنة»، فهذه السيدة السنغالية البالغة من العمر 68 عاماً، ظهرت عليها الأعراض قبل أكثر من أسبوعين، إذ أكدت مصادر «صحراء ميديا» أنها توجهت إلى مركز الاستطباب الوطني أول مرة يوم 21 أبريل الجاري؛ وقالت للطبيب الذي عاينها إنها تعاني «ضيقاً في التنفس» منذ عشرة أيام (أي منذ 11 أبريل).
وبحسب مصادر «صحراء ميديا» فإن الطبيب المداوم بعد المعاينة وطرح الأسئلة وفحص أولي (خارجي) استبعد فرضية الإصابة بالفيروس بسبب غياب معايير الاشتباه (لم تسافر مؤخراً، لم تتواصل مع مصابين، وغياب بعض الأعراض).
ولكن الوضع الصحي للسيدة تدهور أكثر، لتراجع المستشفى بعد ستة أيام (27 أبريل)، وهي تعاني من «زلة تنفسية شديدة» أو ما يعرف طبياً بـ (Detresse respiratoire)، ولكنها لم تكن تعاني من أي حمى أو ارتفاع في درجة الحرارة.
وأكدت المصادر الطبية أن غياب الحمى كان سبباً رئيساً في تأخير عملية التشخيص، إذ توجه الأطباء في البداية إلى البحث عن مشكلة في القلب، وأجروا لها فحوصات معمقة من ضمنها تخطيط القلب، أظهرت أن السيدة لا تعاني من أي مشاكل في القلب.
ليتوجه الأطباء نحو فحص الأشعة للصدر والرئتين، ليظهر هذا الفحص احتمال إصابة السيدة بفيروس «كورونا» المستجد، وذلك بعد ظهور الصورة النمطية للفيروس والمعروفة في الأوساط العلمية بمصطلح «الزجاج البلوري» أي أن تكون الرئتان معتمتين في صور الأشعة.
كما أظهر فحص الأشعة وجود «صمة رئوية»، أي أن الشريان الذي يغذي الرئتين بالدم فيه جلطة أو تخثر دم، وهي إحدى أشهر مضاعفات الإصابة بالفيروس.
بعد النتائج التي أسفر عنها فحص الأشعة تم وضع السيدة في العزل الصحي مباشرة، وأخضعت لفحص (PCR) العادي لعينات من مخاط الأنف والحلق جاءت نتيجته سالبة (أي أن الفيروس غير موجود)، وأعيد الفحص ثلاث مرات أخرى على فترات متفاوتة لتظهر نفس النتيجة.
وأمام تضارب نتيجة الفحص العادي مع ما تظهره صور فحص الأشعة، لجأ الأطباء الموريتانيون إلى فحص البحث عن الأجسام المضادة لفيروس «كورونا» المستجد، ليظهر هذا الفحص وجود أجسام مضادة، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن السيدة «أصيبت» بالفيروس.
ويعتقد الأطباء أن النتيجة السالبة للفحص العادي التي تكررت لدى المصابة، تعني أن الشحنة الفيروسية لديها كانت ضعيفة جداً، وهو ما يشير إلى أنها لم تكن شديدة العدوى خلال الأيام القليلة الماضية.
ولكن في المقابل يشير الأطباء إلى أن العثور على أجسام مضادة للفيروس لدى المصابة يعني أنها في مراحل المرض الأخيرة وقد تكون شُفيت تماماً، لتبرز فرضية جديدة لدى بعض الأطباء تقول إن السيدة قد تكون أصيبت بالفيروس منذ أكثر من شهر، وهو ما يعني أنها تشكل خطراً حقيقياً على السكان، خاصة خلال الأيام الأولى من إصابتها (نهاية مارس أو مطلع أبريل).
ومما يثير مخاوف الأطباء هو أن هذه السيدة لم تكن ضمن الأشخاص المشتبه في إصابتهم بالفيروس، لأنها مقيمة في نواكشوط منذ سنوات، ولم يسبق لها أن كانت على صلة بأي حالة إصابة مؤكدة، ما يُرجح فرضية أن تجسد بالفعل حالة «عدوى مجتمعية».
ومما يزيد المخاوف أكثر هو أن هذه السيدة وهي في أوج قدرتها على العدوى كانت تمارس حياتها بشكل طبيعي، تشتري السمك من سوقه الكبير في أقصى غربي العاصمة نواكشوط، لتبيعه في الحي الشعبي الذي تقطن فيه، في أقصى جنوبي العاصمة، والراجح أنها تستخدم في تنقلاتها سيارات الأجرة الشعبية المكتظة.
السلطات بدأت التحقيق ورسم مسار هذه السيدة لتحديد مخالطيها، وهي مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وقد وضعت السلطات 40 شخصاً ممن خالطوا السيدة في الحجر الصحي، وأخضعتهم للفحص، بينما لا يزال البحث جارياً عن مخالطين محتملين آخرين، من ضمنهم الطاقم الطبي الذي عاينها عندما زارت المستشفى للمرة الأولى يوم الثلاثاء 21 أبريل.
ومن المتوقع، نظراً لخطورة الوضع الوبائي الذي تسببت فيه “الحالة الثامنة” أن تشدد الإجراءات الاحترازية، خاصة في العاصمة نواكشوط، وذلك لتفادي السيناريو الأسوأ.