التطبيع نوع من الفشل، و السكون، والركون إلى جنب، و يتحدد مفهوم التطبيع حسب كتاب المعاني في أنه التعود على الشيء، وجعله طبيعيا، أما تطبيع العلاقات مع العدو، فهو نسيان تاريخه الأسود والعيش في كنفه بسلام وارتياح، أما التطبيع مع الظواهر الفاسدة في المجتمع، فهو؛ نوع من الفشل أولا، وفقدان للإحساس بأهمية «المقاومة» ثانيا، ينذر بتدهور الأوضاع من سيء إلى أسوأ، ولهذا التطبيع مظاهر وتمثلات متعددة في مجتمعنا، فالنظام السياسي استعمل مجموعة من الوسائل لفرض الأخير (التطبيع)، لذلك لا بد من حلول لنشر ثقافة «المقاومة» والتغيير كحل لتبديل الواقع المفروض، والتنبيه على خطورة الاستسلام.
إن التطبيع بشكل عام ضد «المقاومة»، وأخطر تطبيع يمكن أن يهدم مجتمعا، هو تعود هذا الأخير على مجموعة من الظواهر الفاسدة، في مجموعة من المجالات. وكغيره من الشعوب العربية، قبل المواطن الموريتاني بمجموعة من التمثلات الخاطئة التي تستوجب العقاب و التنبيه لخطئها، أبرز هذه الظواهر؛التطبيع مع الفساد والمفسدين، سواء في المجتمع أو تقبله تواجدهم في مناصب المسؤولية دون أن يحرك ساكنا، وقد يصوت لهم في الانتخابات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إضافة إلى أن الرشوة، الزبونية، والمحسوبية، أصبحت شيئا عاديا؛ و(قهيوة) متعارف عليها بين السائل والمجيب، من أجل قضاء الحوائج، أما الظلم فحدث ولاحرج، لقد أصبحت كلمة لا تعني الكثير في مخيلة الشعب، لذلك طبع مع كل شيء تقريبا، وما صمته على تكميم الأفواه، إلا مظهراً يبين هول التعود على مجموعة من التمثلات الفاسدة، في المجتمع، الذي أضحت فيه الحرية “تابوها”، رغم كونها حقا طبيعيا.
لا نلوم الشعب على ما حدث، على هذا السكون المفروض بطريقة مباشرة، وغير مباشرة، ولا نلومه على تطبيعه فهذا نتاج سياسة طويلة الأمد، استعملت فيها مجموعة من الوسائل أذكر أهمها: إعلام موجه، ومحمل بثقافة مختلفة، تخدم استراتيجية واضحة، وبين نوعية للتعليم، وبرامج أهدافها تتغير بتغير الفصول، والضرورة السياسية، ولا ننسى القمع والترهيب والاستبداد، وانعدام المحاسبة في مجموعة من القضايا، والتمييز، والريع، والاضطهاد، كذلك سجن جناح «المقاومة» أو المعارضة؛ وغير ذلك كثير …
لعل المظاهر السابقة، ترسخت لدرجة أصبحت تشكل خطرا على الأجيال القادمة، والحالية، لذلك لابد من خطوات واضحة، واستراتيجية، لزرع ثقافة «المقاومة» أبرزها؛ تفعيل دور المجتمع المدني في التوعية، ونشر روح «المقاومة»، كذلك الكشف والفضح، والنقد البناء، علنا نجد آذانا صاغية، إن الوضعية تتطلب إحياء لدور المثقف في المجتمع، والدعوة إلى المساءلة والمحاسبة كوسيلة للتهذيب، ورفض مظاهر الفساد المتغلغلة في المجتمع، المرحلة تتطلب وعيا ذاتيا كخيار للدفاع عن صرح الوطن والوطنية.
إن الأحزاب السياسية، تتحمل مسؤولية فيما آلت إليه الوضعية، من تطبيع، واستسلام، حيث قدمت نماذج فاسدة، وأبانت في خطاباتها على مصلحيتها، وأجلت مصالح المواطن، كما أنها تخلت عن دورها في الدفاع عن الأخير، وأصبحت تمارس نوعا من التخدير، بإضفائها الشرعية على الممارسات الفاسدة، والمرفوضة في المجتمع، ليبقى السؤال متى يتحول الاهتمام من الثروة المادية، إلى الثروة البشرية في مجتمعاتنا العربية عامة، والمجتمع الموريتاني خاصة.
لاشك أن التطبيع سيقودنا لا محالة، إلى «مجتمع الزومبي»، الأحياء الأموات، لا نحن بقينا في وضعيتنا السابقة، ولا نحن تقدمنا للأحسن، لذلك فالسياسة القائمة على نشر التطبيع، إنما تهدم وطنا، حيث روح «المقاومة» تصبح وهما وخيالا قادما من المريخ، لذلك قد لا نجد من يدافع عن حرمة وطننا يوما من الأيام !!.