العُنصرية هي إقصاء الآخرين، بسبب العرق والدين واللون والشكل والجغرافيا أو الأصل البيئي، المال والوسط الاجتماعي، والعادات والمرتبة الاجتماعية و الثقافية … إلخ والعنصرية racisme مصطلح ارتبط أول الأمر بالإقصاء المبني على العرق، أي الاعتقاد بأن هناك فروقًا وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما ( بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق) وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا، ثم انسحب هذا المفهوم ليشمل أي إقصاء للآخر بشكل يتضمن تعنيفا، ماديا أو معنويا، والعنصرية تمييز يشترط وجود الفرق بين أنواع من الناس على أساسات مختلفة، كالمركز الاجتماعي أو الديني، أو المرجع العرقي المستحق لهذا التميز، والمُشرع لهذا التمييز، [ وكان التمييز أمرا مشروعا سائدا في العالم القديم وأول تمييز عنصري كان التمييز المؤدي لاستعباد الناس، و هذا الظرف التاريخي الذي أدى لتحول اجتماعي رهيب في تاريخ الإنسانية، ارتبط بمظاهر التمدن والقوة التي حظيت بها شعوب على حساب شعوب ظلت بدائية في نظرهم، الشيء الذي عمق مفهوم التميز والأفضلية، الذي تطور ليرتبط بمفهوم “الاختيار” هذا المفهوم تطور ليصبح مفهوما لاهوتيا ارتبط بالآلهة، أي “الاختيار المقدس” فبعدما اكتشف الإنسان قوته، اكتشف أيضا قدرته على تطويع الكائنات الحية، وارتبطت قدرته هذه بمفهوم الآلهة التي أعطته قدرة خارقة وفضلته على غيره، بدليل أنه متقدم وغيره لازال بدائيا
ومن هنا أصبح الإنسان بعد عصر التدجين الحيواني، قادرا على تمديد قدرته هذه ليمارسها على الإنسان، فبدأت بادئ الأمر بالاستخدام والعمالة مقابل المأكل والمشرب في أعمال الزراعة، والرعي والصناعات الحرفية البسيطة، ثم تطورت لمرحلة التدجين البشري، وهي عملية الامتلاك التي تتشابه تماما بامتلاك الإنسان المتفوق للحيوانات الداجنة، بسبب قدرته على تطويعها ]، فظهر الاسترقاق و الاستعباد، الذي تطور ليصبح استرقاقا عبر عمليات التوسع الحربي والغزو، تحت قانون بشري قديم مستمد من الأخلاق الحيوانية، «وهو ما تصطاده فهو طعامك»، أي ما تسيطر عليه فهو ملك لك، ثم تطور مفهوم الاستعباد ليصبح قانونا بين الدول، وعادة بين المدن والقبائل، ليشمل الاستعباد بمعناه الثقافي “التملك بشري لبشري آخر” بدافع الخدمة و الاستغلال المادي، إلى مفهوم الاستغلال المعنوي “العبودية” فأصبح عندنا لأول مرة «مفهوم المَلك والرعية» المملوكة لهذا الملك، تحت مظلة أن الملوك أبناء الآلهة، أو آلهة، وهذه الرعية التي تعبد الملك، هي نفسها تمارس الاستعباد لمن هو أقل منها شأنا، وأغلب هؤلاء المستعبدين للشعوب المتحضرة، كانوا من سبايا و عبيد الغزوات والحروب، أو من العمال الذين أصبح يتاجر بهم بين المدن بدافع العمل والخدمة، تحت ذريعة التملك.
[ومن هنا سيظهر مفهوم الطبقات الاجتماعية، ليبدأ عصر التمييز الاجتماعي الطبقي، بين أفراد الشعب الواحد، و بما أن تاريخ الحضارات مُتقلب ومليء بالصراعات وزوال دول وصعود أخرى، وتقلب الأحوال الاجتماعية للشعوب المهزومة، أمام المنتصرة، والتي كانت تستولي على كل ما كان للشعوب المهزومة من مال و أرض، فقد أصبح من ضمن ما يتم امتلاكه أيضا الشعوب نفسها وعبيدهم، فأصبحت العبودية أمرا شائعا بشكل غدت معه قانونا دوليا، فكان لزاما تقنين ذلك الفداء و الجزية و التعويض، والاستسلام … إلخ].
وتم تقنين الاستعباد منذ القدم، [ونجد ذلك في قانون «أورنمو» أقدم قانون لحد اليوم، وفيه تم تخصيص مواد خاصة بالعبيد، وطريقة التعامل معهم، كما نجده في شريعة «حمورابي» بعده بثلاثة قرون، وفي أسطوانة «گوروش الكبير» ..].
وهذا التطور في الاعتقاد بالتميز بين شعب و شعب وعرق وعرق، لارتباط الهزيمة و البدائية بهم، والتفوق الاجتماعي والعسكري بغيرهم، جعل الشعوب المتفوقة، تعتقد أن السر في العرق والجذور الموروثة، فأصبح عندنا التميز العرقي، القائم على تفضيل العرق بدعوى أنه أذكى، و أفضل، (فكان التمييز الآري ضد الأعراق الغير آرية، والتمييز اليهودي ضد الأعراق غير اليهودية الذي تطور ليصبح تمييزا دينيا باسم الإله “يهوا” تحت ذريعة الديانة اليهودية، ثم التمييز للأعراق الرومانية و السلافية والجرمانية … إلخ)، لكن جميع هذه الأعراق اتفقت على تميزها العرقي واللوني أيضا أمام العرق الأفريقي النوبي الأسود، الذين ارتبط بهم مفهوم العبودية، بعد التوسعات الآرية والمصرية ثم الرومانية في غرب وجنوب شرق إفريقيا، وبحكم ضعف هؤلاء القبائل، وبدائيتهم القاتلة وعقائدهم، “كان التحكم فيهم سهلا، وكان استعباد هؤلاء بادئ الأمر، عن طريق غزوات مصر القديمة لصحراء النوبة، فأحضرت الآلاف من السبايا والعبيد، المسترقين تحت طائلة حق التملك بموجب العرف الدولي بين الدول القديمة، ثم تصدير ما يفوق حاجياتها في العمالة و الخدمة إلى الدول المجاورة، كتجارة في البشر، فازدهرت تجارة البشر، من الأعراق الإفريقية السوداء، أكثر من غيرها، حتى ارتبط مفهوم العبودية بهم”، بينما كانت العبودية سائرة على كل الشعوب المنهزمة أمام الشعوب القوية !!.
[ … وأصبح من مظاهر الترف والتميز أن يكون لديك عبيد سود و إماء سوداوات، إلى جانب الجواري والمملوكات من الأعراق الأخرى من الشعوب الضعيفة، أو الموالية والتابعة، ليظهر مفهوم التمييز العرقي العائلي، الذي ظهر تحت اسم العائلات الأرستقراطية والنبيلة بحسب قربها وبعدها من الأسرة الحاكمة، و الأسر الملكية، مقابل أعراق عائلية أخرى تحظى بحظوة شرفية أقل، لضعف قوتها المادية وانعدام أو ضعف سلطتها، لكنها تبقى أُسرا ذات شرف يميزها عن غيرها من الأعراق المختلطة و الهجينة، بسبب اختلاط الأنساب وتوسع الممالك .. ].
هذا ولم يستطع أي قانون أو دين أن يلغي هذا القانون البشري القديم، بل اضطرت كثير من المذاهب و الأديان التي نشأت في أوساط الفئات الفقيرة والمستعبدة، الداعية للاستقلال والحرية، إلى الدعوة لتحسين شروط العبودية، أو التحرر عن أسيادهم، والهرب للصحراء والجبال لتأسيس كيانات صغيرة، أصبحت فيما بعد تجمعات بشرية لها سياسات عسكرية مستقلة، لكنها لم تسلم أبدا هي الأخرى من عادة استعباد القبائل أو المدن أو المناطق التي يغيرون عليها، بل إن استقطاب الأنصار والمؤيدين للأفكار والمذاهب الدينية والسياسية، كان فيه كثير من التطميع المادي بالجواري، والعبيد، وتحسين ظروف العيش، فقد كان قانون “ما تصطاده فهو لك” أقوى من سلطــة العقــــل والديــــن !!.