لنعمل لنتعلم بلغتنا الرسمية / الحسين ولد محمد عمر

يتكون المجتمع الموريتاني من ناطقين باللغات التالية ( العربية والبولارية والسوننكية والولفية) وينص الدستور الموريتاني في المادة السادسة منه على الآتي: ( اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية).

مرَّ تاريخ التعليم في موريتانيا بتقلبات معروفة لدى الجميع و لدى المهتمين بشكل خاص، لقد تم تكرار ذكرها مرات عديدة ونوقشت بما فيه الكفاية، ولست في وارد ذلك الآن، إلا أن ما نعانيه اليوم من تردي في خدمة التعليم ناتج لتلك التقلبات غير المدروسة في السياسات التعليمية. لا أقدم هنا وصفة بيداغوجية تربوية لإصلاح التعليم بقدر ما أحاول التركيز على واقع أعيشه كالكثيرمن أبناء الوطن الذين اكتووا بواقع بائس جعلهم يطرحون التساؤلات التالية:

– هل اللغة العربية هي فعلا اللغة الرسمية للدولة؟

– لم يتم اقصاؤنا من المسابقات الوطنية، بسبب عدم معرفة لغة أجنبية غير اللغة الرسمية للبلد؟

– لم تتعامل المؤسسات الخدمية يوميا مع المواطنين بلغة لا يفهمونها، وحتى إن فهموها، فلم، وهي ليست لغتهم الأم.

– لم يقف الكثير منا سدا وحائلا في وجه كل ناطق بالعربية ؟

– لم نتهم كمطالبين باعتماد اللغة التي نص عليها الدستور الموريتاني، بمحاولة إقصاء موريتانيين آخرين مثلنا؟

أولا، تنقسم الآراء الناقدة للمطالبين باعتماد اللغة العربية لغة رسمية للتعامل اليومي إلى قسمين، قسم يرى أن اللغة العربية لا تصلح لغة للعلم وتتصف بالعجز و الجمود.

ثانيا ، قسم آخر يرى أن استخدام اللغة العربية سيقصي المكونات الموريتانية الأخرى، التي ليست اللغة العربية لغتها الأولى.

أما بالنسبة للرأي الأول، فأقول؛ إذا كانت اللغة العربية ليست لغة علم، عكس اللغة الفرنسية، فلم تقدمت دول لا تعتمدها ولا تعتمد الفرنسية ولا الانجليزية، روسيا والصين و اليابان وكوريا الجنوبية وإيران وإسبانيا وغيرها كثير، دول تعتمد على لغتها الوطنية في تدريس مختلف العلوم.

 تعمدت عدم ذكر أي دولة عربية رغم وجود المثال، لكن أليست هذه دول وتدرس بلغتها الوطنية؟ ما المشكلة إذا؟! إذا كان المشكل في نظركم يعود إلى تخلف الدول العربية فتلك قصة أخرى، لكنهم لن يتطوروا بتخليهم عن لغة يعيشها أبناءهم يوميا وينطقونها بسلاسة وستكون دون شك أسهل على التعلم بها من غيرها، عكس لغة ليست موجودة في المحيط العائلي، ولا حتى المحيط الإجتماعي يتحدثها، ومعروف أن إتقان اللغة يتطلب معايشتها يوميا، دون أن أنسى الأسر الميسورة التي تبعث أبناءها إلى السنغال والمغرب لدراسة سنة لغة ليتمكنوا من ولوج السوق، سوق العمل، إذا ما مصير أبناء شعب يعيش الفقر بنسب مرتفعها في الغالب الأعم وبالكاد يستطيع إرسال أبناءه إلى المدارس أصلا، وإن فعل فقد لا يتمكن من اقتناء المستلزمات التعليمية، ناهيك عن تأجير مدرس خصوصي لتعليم لغة أخرى.

 أما بالنسبة للرأي الثاني المتبني لفكرة الإقصاء، فإذا كان الأمر كذلك، ألى يعتبر ما يحدث الآن إقصاء هو الآخر لآخرين لا يعرفون الفرنسية، موريتانيون لا يحصلون على العمل بحجة أنهم لا يعرفون لغة ليست لغتهم إطلاقا، أين الإقصاء ولم تتحدثون عنه إن كان الدستور نفسه يقول بأنها اللغة الرسمية كما أشرت آنفا، أليس هذا تناقضا صارخا وتجاوزا للدستور، أم أنكم جبلتم على تجاووزه و أصبح بالنسبة لكم لا شيء يذكر، كما تعود رؤساؤكم، ثم إنه إذا كانت المطالبة باعتماد لغة منصوص عليها كلغة للدولة، تعتبر إقصاءا، فليكن إذا. وما عليكم إذا إلا المطالبة بتغيير الدستور وتغيير اللغة فيه تبعا لذلك، أم أنها المصالح والاستلاب ؟!

أريد أن أشير هنا إلى أن الموضوع بالنسبة لي ليس قومية عربية ولا تعتريه أي صلة بالايديلوجيا البتة، فآخر ما أفكر فيه أمور كهذه، فأنا لا تجذبني ولا أطيق القوميين كايديلوجيا، بل إنها مجرد مطالبة بإنصاف جزء من مجتمع يقع عليه التجهيل والاقصاء بحجج واهية، وكل ذلك خوفا من أن يقول آخرون أنه تم إقصاءهم.

تعمدت هنا الانطلاق من النتائج الحاصلة من بطالة مرتفعة وفشل للتعليم باد للعيان، فهي مربط الفرس وحجر الرحى كما يقال، وباعتبارذلك أيضا خير دليل على الفشل الذي نتقلب فيه اليوم والناتج عما سمي ب ” إصلاح التعليم ” فالتركيز إذا لن يكون على تلك السياسات التعليمية بل على الواقع التعليمي اليوم ومحاولة إصلاحه ، الإصلاح الذي يعتبر أساسه الوحيد التركيز على لغة وحيدة مفهومة للجميع، دون إهمال اللغات الأخرى لكن على الأقل لا يحصر التعليم كلها بها وتقييد التلاميذ الذين ليست لهم إمكانية تعلم لغة لا تتوفر لا الشروط الاجتماعية ولا المادية بتعلمها بالشكل الذي يسمح للتلميذ التحصيل بها بامتياز.

إن هذه الإزدواجية التي يعتمدها المنهج التعليمي المتبع، هي المشكلة الأكبر التي تواجه التلاميذ في الابتدائية خصوصا، بشهادة المدرسين الذين قالوا ذلك في مؤتمرات وندوات كثيرة، فلا التلاميذ تعلموا الفرنسية بإتقان ولا تعلموا المواد التي تدرس بها، وفي النهاية يتسرب التلميذ نتيجة العقبة الكأداء التي تعترض تعلمه بسلاسة.

كما أنني هنا أود التوضيح أن الموضوع لا يعني مطلقا، تجاهل تعلم اللغة الفرنسية، أبدا، بل من الواجب تعلمها و تعلم الانجليزية وكل اللغات الممكنة، كل ذلك على أن يكون في مرحلة يصبح التلميذ قادرا على مساعدة نفسه وفهم متطلبات تعلم لغة جديدة، لكن لا ينبغي اعتبار عدم معرفتها عائقا أمام مواطن يبحث عن عمل في وطنه بحجة عدم معرفتها، وإلا فما فائدة اعتبار اللغة العربية لغة رسمية للدولة، فلتتم إزالتها ووضع اللغة الفرنسية مكانها، فهي الآن هي لغة الإدارة الموريتانية والسبب في إقصاء الكثير من الشباب من الحصول على عمل في وطن ضائع.

إلا أنه رغم ذلك كله، لا يجب إهمال مكونات المجتمع الأخرى التي قد لا تكون درست باللغة العربية، فيجب إشراكها وايجاد حل يتوافق مع الدستور، أو حل ما، توافقي، كأن يتاح العمل الإداري باللغة العربية إلى جانب الفرنسية ويسمح لكل من يريد المخاطبة وإعداد التقارير اليومية أن يقوم بذلك باللغة التي يجيدها ويرى في نفسه القدرة على الابداع بها بشكل أكبر.

ليس غائبا عنا جميعا أن الدولة تعيش عجزا يكاد يكون عاما، فحيثما نظرت ستجد خللا بنيويا جسيما وفي مجال التعليم بالاضافة إلى الخلل المنهجي نلاحظا خللا بنيويا، نقصا حادا في البنية التحتية وتراكما للتلاميذ في مالمدارس حيث وصلا حد يكون القسم عاجزا عن استيعاب الجميع، إذ كيف يستوعب فصلا بطول 6 متر وعرض 4 متر ما يزيد عن 100 تلميذ، كيف يمكن تعلم أي شيء في قسم بهذا الشكل، ناهيك عن الصعوبات سالفة الذكر، فإن تعلم لغة في هذه الظروف يعتبر نوعا من إهدار الوقت لا أكثر.