لا تخلوا مقالات الكنتي من توجيه لا يمكن أن يصدر إلا ممن له الأهلية و الحق التام في تهذيب الناس، و له من الأفعال النبيلة ما يخوله أن يعطي دروسا في الأخلاق و النبل و العدل. ممارسة الوصاية التي يحاول الكنتي مزاولتها على كتاب الإخوان في موريتانيا، تذكرني بوصاية القذافي على الشعب الليبي الشقيق، فالكنتي و هو يمارس تلك الوصاية كأنما يستلذ بها متحضرا “تهذيب الجماهير”، و هو يقول في نفسه بأن الأوان قد آن لتهذيب كتاب الإخوان.
لكن ما لا يستسيغه العقل مما أقدم عليه الكنتي هو ذلك التوجه الغريب بالنظر إلى مكانة الرجل في حملة الجنرال المتقاعد محمد ولد الغزواني، فالرجل فرح منتشي بمقدم بعض رجالات المعارضة، الذين لهم مكانة علية، و تاريخ ناصع في مقارعة الأنظمة العسكرية و قد ذاقوا مرارة الجلد و الحبس و التنكيل في كل حقب الأحكام العسكرية الاستثنائية، بينما الكنتي يرى فيهم منافسين له و يعتبرهم دخلاء سيفسدون حملة مرشحه، و سيقفون في وجه خططه للاستحواذ سنوات قادمة على مقدمة المشهد السياسي في البلد، لأن الكنتي حظي بهذه المكانة، دون وجه حق طبعا، طيلة حكم ولد عبد العزيز.
الكنتي لا يريد أن يترك مساحة كافية لهؤلاء، ويخشى أن يهيمنوا على كل شيء، فهو يعرف تمام المعرفة أنهم أقدر منه، و أكثر خبرة و أكثر جدية، فكما يقال لكل داخل دهشة، و هم جدد على المخزن و حاكمه المتغلب و صديق حاكمه المتغلب الذي يريد خلافته في المنصب.
الكنتي ليس ذكيا قطعا، فالأولى به أن يصب اهتمامه على ما يعانيه مناصري ولي نعمته من نزيف داخلي و موت سريري و شلل تام، الأولى به أن يصلح ذات البين بكتاباته المعسولة الجميلة الشكل الخاوية المضمون، الأولى به أن يعرف ان الأغلبية تحتاج لمن يطمئنها من داخل حملة الغزواني، لكنه يتناسى تلك الحاجة و يركز على معركة جانبية قديمة، لا تحتاج إلى التنويه و لا التنبيه لأنها راسخة في ذاكرة النخب و يستحضرونها جيدا.
فما الذي يجعل الكنتي يتصرف على هذا النحو، لن يستطيع أحد الإجابة على هذا التساؤل إلا إذا عرف بالضبط من هو الكنتي، و من هو ولد الغزواني، و أين كان الكنتي في مراحل محددة من نظام ولد عبد العزيز، خاصة ما قبل البيان الذي وضع حدا لكتابات الكنتي المطالبة بالمأمورية الثالثة، و أوقف معها تلك المعركة الغريبة التي شهدناها و علقنا علينا، بينه و بين محمد الشيخ ولد سيدي محمد، كاتب آخر من طينته.
الكنتي ليس يستهدف الإخوان بل يريد من خلال ذلك التكتيك أن يعطي صورة مغايرة للواقع الذي يفرض نفسه عليه و على الغزواني و يؤثر على علاقتهم بمناصري ولد عبد العزيز، لقد أراد الكنتي بالفعل أن يقحمنا في معركته تلك، لكنه لم ينجح رغم مطاوعة بعض الكتاب المتحمسين جدا للدفاع عن الإخوان و حزبهم تواصل، لو فهموا جيدا ما يصبوا إليه الكنتي لما أتعبوا أنفسهم في الرد عليه، و لما ضيعوا وقتهم و جهدهم الثمين في تتبع كتاباته و منشوراته.
الكنتي لا يستحق كل هذا، و إن كان يستحقه فلا يجب أن يكون أولوية للعقلاء من أصحاب العقول البصيرة و القلوب المهداة.
كان الأولى و الأجدر بكم أحبتي التركيز على الحرب لا على المعركة الجانبية، كان الأولى بكم أن تكتبوا شيئا يفيد الناخب ينير الرأي العام حول فظاعات ولد عبد العزيز و رغبة الغزواني لحماية مصالح أبا لهب و حمالة الحطب.
كان الأولى و الأجدر بكم أن تستحضروا سجناء الرأي من أمثال عبد الرحمن ودادي و الشيخ ولد جدو و أن تتذكروا الأموال الطائلة التي اختفت من المؤسسات العمومية و مخازن الدولة و لم يعرف إلى أين تم توجيهها، و كيف تم صرفها.
كان الأجدر بكم أحبتي الكرام أن تعوا جيدا حساسية المرحلة و مخاطر انتخاب ولد الغزواني و خطورة الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المتردي الذي يعيشه البلد.
أما أن تشغلوا أنفسكم بالكنتي، و أمثاله، فهذا ما لم يكن في الحسبان، رغم أنه من حقكم أن تختاروا ما تشاؤون، و من واجبنا تجاهكم أن ننبهكم على مخاطر ما تذهبون إليه.
الكنتي لا يستحق حتى هذه السطور، لولا الحاجة الماسة إلى التنويه و التنبيه على عبثية هذا الجدال مع الكنتي، و لولا قيمة و أهمية ما نصبوا إليه في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الأمة، لما كنت كتبت هذه السطور.
فالتاريخ ليس سوى ما نقوم به اليوم، و سيكون من العيب و أن يكون جله حول الكنتي و من على شاكلته من المنافحين عن أصحاب الأحذية الخشنة.
التغيير الآن و لا يكون بإعادة استنساخ نظام العسكر.
عاشت موريتانيا حرة أبية مستقلة مزدهرة بفضل أبناءها البررة لا أبناءها العاقين.
ذ/ محمد فاضل الهادي.