تابعتُ باهتمام بالغ الجدل الدائر مؤخراً بشأن ملعب نواذيبو الجديد، الذي شيّدته الحكومة الموريتانية على نفقتها الخاصة، بإشراف وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، وبتنفيذ من الهندسة العسكرية، وزودته الاتحادية الموريتانية لكرة القدم، بالتعاون مع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، بنجيلة صناعية حديثة ذات جودة عالية، ليصبح بذلك واحداً من أفضل الملاعب ذات المعايير الدولية في بلادنا.
وكما هو معلوم، فقد احتضن هذا الملعب جانباً من مباريات البطولة القارية الرسمية الوحيدة التي نظمتها بلادنا في تاريخها حتى الآن، وهي نهائيات كأس أفريقيا للأمم تحت 20 عاماً، خلال شهري فبراير ومارس الماضيين.
ونظراً لمحاولة البعض الخروج بهذا الموضوع عن سياقه، واستغلاله من أجل إقحام الاتحادية، بل إقحامي شخصياً في مواضيع سياسية لا ناقة لي فيها ولا جمل، فإني أود هنا أن أوضح بعض الأمور بهذا الخصوص، حتى يكون الرأي العام الوطني على بينة من أمره فيها، وحتى يعرف الجميع خيطها الأبيض من خيطها الأسود، بكل الشفافية والصدق مع الجمهور الكريم.
بداية، لا يمكنني الحديث عن هذا الملعب دون أن أستغل الفرصة لأتوجه باسمي شخصياً، وباسم الأسرة الكروية الوطنية، بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يرجع له الفضل، بعد الله، في تشييد هذا الملعب، في فترة قياسية وفي ظرف خاص كانت تسيطر عليه جائحة كورونا؛ حيث أعطى فخامته تعليماته السامية بالشروع فوراً في بناء هذا الملعب، منذ اللحظة الأولى التي طُرح عليه فيها هذا الموضوع.
لقد كنتُ صاحب فكرة إنشاء هذا الملعب بهذا الشكل، حيث كنت قد طلبتُ من مهندس أجنبي متخصص في تصميم الملاعب أن يضع مخططه المقترح، وبعد ذلك تم طرح قضيته على فخامة رئيس الجمهورية، فتكفل مشكوراً بإنجاز الملعب في الوقت المحدد، وبالفعل “أنجز حر ما وعد”، حيث بدأت الأشغال فوراً في بناء الملعب بعد ذلك بقليل، ليكون له دور بارز في تحسين صورة بلادنا خلال احتضان نهائيات كأس أفريقيا للأمم تحت 20 عاماً.
وبهدف تخفيف العبء المالي على الدولة في إنجاز الملعب، قررنا على مستوى الاتحادية أن نطلب من الفيفا تمويل النجيلة الصناعية الخاصة به، وهو ما وافق عليه الاتحاد الدولي مشكوراً، لكنه اشترط لذلك -كعادته- إرسال وثيقة تثبت تولي الاتحادية تسيير شؤون الملعب لإدارة مسابقات كرة القدم.
ولحسن الحظ، فقد كانت هذه الوثيقة متوفرة بالفعل لدى الاتحادية من قبل انتخابي رئيساً لها، وذلك منذ عام 2009؛ حيث كان لدى الاتحادية تنازل موقع من طرف البلدية آنذاك لتولي تسيير الملعب، وهو الذي على أساسه تم تزويد الملعب بالنجيلة الصناعية الأولى.
وقد تم تحديث هذا التنازل في شهر سبتمبر عام 2019 من طرف عمدة المدينة الحالي، الذي وقع على وثيقة تنازل عن الملعب من طرف البلدية لصالح الاتحادية الموريتانية لكرة القدم لمدة زمنية قدرها 20 سنة، وتنص الوثيقة على عدم إمكانية نقض القرار قبل انتهاء مدته المحددة، وهي الوثيقة التي على أساسها وافق الاتحاد الدولي على تمويل شراء وزرع النجيلة الحالية (الوثيقة مرفقة).
وبينما سارت الأمور بشكل طبيعي، فانتهت البطولة على أفضل صورة، تفاجأنا بقرار من البلدية يقضي باستعادة تسييرها للملعب، بما يخالف التنازل الموقع من طرفها!
لكن نظراً لانشغالنا حينها بتحضير الجولتين الأخيرتين من تصفيات كأس أفريقيا للأمم، التي انتهت بتأهل منتخبنا الوطني للنهائيات، لله الحمد، فإننا لم نجد الوقت للنظر في اتخاذ قرار بهذا الشأن في ذلك الوقت!
ومع استئناف البطولات الوطنية في ظل قرار البلدية الجديد، الذي يعني بالضرورة عدم قدرة الاتحادية على التحكم في برمجة أي نشاط في الملعب بدون مواقفة البلدية، قررنا رفض تنظيم أي بطولة تابعة لإدارة الاتحادية في هذا الملعب، احتراماً للعهود الموقعة بيننا والاتحاد الدولي، التي تتضمن وثيقة اختصاص الاتحادية في تسييره.
وقد توقفت القضية هنا عند هذا الحد، قبل أن أستمع هذه الليلة لحديث السيد العمدة القاسم ولد بلالي الذي زج باسمي شخصياً في شؤون لا علاقة لي بها، متحدثاً عني بشكل مستفيض بطريقة شخصية فاجأتني كثيراً؛ حيث حملت الكثير من الاتهامات الباطلة، التي لن أخوض في تفاصيلها، وأكتفي بأسفي فقط على صدورها من رجل في مكانته ومستواه.
وهنا أود أن أؤكد بشكل صريح، أنني لن أرد على السيد العمدة بالمثل، ولن أتحدث عن سياسته ولا مواقفه، لأن تربيتي تفرض عليَ احترامه وتوقيره، اعتباراً لفارق السن بيننا، ولأنني أكن الاحترام والتقدير لعائلته الكريمة، وأبنائه الذين تربطني معهم علاقات أخوية.
لكنني أود هنا أيضاً أن أؤكد للجميع أن الحديث عني بهذا الشكل لن يؤثر على علاقتي المهنية الصريحة مع السلطات العمومية في البلد، لأنها علاقة مؤسسة من أول يوم على أسس صحيحة ويعلم كل من يعرفني حق المعرفة أنه لا يمكن المزايدة عليَ في هذا الأمر تحديداً.
لقد نشأتُ وتربيت في حضن الدولة وفي ظل مؤسساتها، وأعرف ماذا تعني الدولة وماذا يعني العمل لها ومعها؛ لذلك كنت دائماً حريصاً على بناء علاقة مهنية سليمة مع جميع مؤسساتها، على أساس من الاحترام والتقدير المتبادلين، ولم أسعَ يوماً إلى دخول أي معترك سياسي إلا في إطار خدمة التوجه العام للدولة، ووفقاً لتوصياتها، وسعياً إلى المساهمة في تحقيق أهدافها وبرامجها التي تخدم القطاع الذي أعمل فيه.
ونحن في الاتحادية ندرك أن مؤسستنا، رغم استقلاليتها المهنية، تبقى مؤسسة وطنية من مؤسسات الدولة، معهود إليها بتسيير شؤون كرة القدم بقوة القانون (رقم 64-098 الصادر بتاريخ 9 يونيو 1964)، وقد ظلت الدولة على الدوام السند الأول للاتحادية، والمساهم الأهم في إنجاز كافة برامجها ومشاريعها الهادفة إلى تطوير كرة القدم في بلادنا، وما إنجاز الملعب البلدي في نواذيبو بشكله الجديد؛ استجابة لمطالبنا ببنائه، إلا برهاناً واضحاً على ذلك.
لذلك، فإن ما قيل لن يمنعنا من مطالبة السلطات العليا في البلد بالتدخل من أجل تسوية وضعية هذا الملعب، لإعادته إلى حالته الطبيعية، وفقاً للعهود الموقعة، حتى يتسنى لنا تنظيم بطولاتنا الوطنية عليه بكل سهولة ويسر، في وضعية قانونية سليمة لا تعرض شراكاتنا الدولية للخطر، ولا تسيء لصورتنا وثقة شركائنا الدوليين في اتحاديتنا.
وفي الأخير؛ أؤكد للجميع أنني لست في صراع سياسي مع أحد، وليست لدي مطامع ولا مطامح شخصية في الشأن السياسي على الإطلاق، ولا أسعى في السياسة إلا في إطار ما يتم تكليفي به رسمياً في نطاق خدمة السياسات العامة للدولة، وسأبقى كذلك، إن شاء الله.
أحمد ولد يحيى.