صحيفة العصرنة الإلكترونية – أعلن الرئيس الفرنسي، ظهر اليوم، عن إنهاء العملية العسكرية الفرنسية في الساحل “برخان” من خلال إجراء “تغييرات عميقة” على التدخل الفرنسي في الساحل “سيعلن عن تفاصيلها في الأسابيع المقبلة”.
تحول عميق
إيمانويل ماكرون كان يتحدث، ظهر اليوم، بقصر الإليزي، وقال إن العملية الفرنسية في الساحل لا يمكن أن تستمر بشكلها الحالي متهما دول المنطقة بالتقصير في فرض الأمن على أراضيها، قائلا: “لا يمكن أن نؤمن أرضا سقطت في يد الأعداء لأن الدولة قرّرت ألّا تقوم بواجبها”، مضيفا أن الالتزام الفرنسي في الساحل لا يمكن أن محل عودة الدولة والاستقرار السياسي وخيار الدولة ذات السيادة، “إنه أمر مستحيل أو عديم الفائدة، على حد تعبيره.
ماكرون قال إن التحول الذي سيعرفه التدخل الفرنسي في الساحل سيعلن عن تفاصيله وآجاله خلال الأيام المقبلة وهو يندرج في إطار تحول المهمة إلى دعم وتعاون مع جيوش المنطقة التي ترغب في ذلك وإطلاق عملية عسكرية مشكلة من تحالف دولي لدعم دول المنطقة في مكافحة الإرهاب. وأكد على أنه تشاور مع الأمريكيين-الذين شكرهم على دعمهم- وكذلك مع الأوروبيين قبل اتخاذ هذا القرار مؤكدا استمرار عملية تاكوبا المؤلفة من قوات خاصّة من عدة دول أوروبية وكذلك المهمة الأوروبية لتدريب الجيش المالي.
مساع غير جديدة
ما أعلن عنه الرئيس الفرنسي جاء في سياق إعلان فرنسا عن تعليق عملياتها المشتركة مع الجيش المالي الذي أطاح، بداية الشهر الجاري، للمرة الثانية، بالرئيس في انقلاب عسكري. وهو التعليق الذي سبقه تهديد من الرئيس الفرنسي بالانسحاب من مالي قائلا “إنّ فرنسا لن تبقى إلى جانب دولة لا تملك الشرعية الديمقراطية ولا الشرعية الانتقالية”.
لكنّ الحديث عن الانسحاب من الساحل أو تخفيف الحضور الفرنسي العسكري في المنطقة ليس جديدا، بل كان على أجندة الرئيس ماكرون بعيد انتخابه عندما زار مالي في يوليو 2017 وشارك في قمة الساحل لإطلاق القوة المشتركة للساحل. يومها كانت فرنسا تريد الإسراع بتشكيل هذه القوّة وبدء عملياتها من أجل تقليص وجودها في الساحل الذي يكلفها مئات الملايين من اليورو سنويا.
تعثّر قوّة الساحل
لكنّ الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن ماكرون وواجهت القوّة تعنُّتاً أمريكيا في دعمها أو حتى إفساح المجال لها للحصول على شرعية دولية تؤمن لها التمويل التي لم تتمكّن مؤتمرات عدّة في باريس وبروكسل ونواكشوط من تأمينه. وهو ما أدّى مع الوقت لتراجع حماس قادة المجموعة لتفعيل القوّة بمشاركة كاملة من الدول الخمس في عناصرها الــ5 آلاف.
ثم جاء سقوط الطائرة العسكرية الفرنسية في نوفمبر 2019 وما سبقه وصاحبه من تظاهرات، مناهضة للوجود العسكري الفرنسي، في دول المنطقة خاصّة في باماكو فأثار غضب الرئيس الفرنسي الذي هدَّد بسحب جنوده ما لم يحصل على دعم صريح من قادة المنطقة وهو ما حصل عليه في قمة بو مطلع 2020 التي نتج عنها تعزيز القوّة العسكرية بمئات إضافية من الجنود.
برخان.. النشأة والأهداف
وقد استبعد الرئيس ماكرون في فبراير الماضي مسألة انسحاب القوات الفرنسية من منطقة الساحل التي تم الحديث عنها بقوّة في الفترة التي سبقت انعقاد قمّة انجامينا لمجموعة الخمسة للساحل. لكنّ ماكرون تحدث عن تحول العملية من عملية عسكرية خارجية إلى عملية تركز على مكافحة الإرهاب والتعاون مع جيوش المنطقة، في شكل قريب جد لما أعلن عنه اليوم.
عملية برخان التي أعلنت فرنسا عن إطلاقها يوم 14 يوليو 2014 بهدف محاربة الإرهاب من خلال عملية أوسع انتشارا وأكثر استدامة من عملية سرفال التي كانت تهدف لتحرير مالي من قبضة الجماعات المسلحة. العملية الجديدة هي إعادة تنظيم للوجود العسكري الفرنسي لمواجهة الإرهاب في كامل المنطقة، كما أعلن وزير الدفاع الفرنسي، حينها، جان إيف لدريان.
هل فشلت قوّة برخان؟
عبأت فرنسا للقوّة عند انطلاقها 3000 جندي تضاعف عددهم الآن وقد خسرت منذ تدخلها 50 جنديا، كما أن العملية تكلف الخزينة الفرنسية سنويا مليار يورو حسب تقديرات خبراء عسكريين.
وقد طرحت في فرنسا بقوّة، في يناير الماضي، بمناسبة الذكرى الثامنة للتدخل العسكري في مالي، تساؤلات عن جدوى هذه العملية التي لم تفلح حتى الآن في القضاء على تهديد الجماعات الجهادية كما أسهمت في زيادة العداء لفرنسا في المنطقة، حسب ما يرى مناهضوها. كما نشرت مراكز استطلاع تقارير عن تراجع التأييد الشعبي للعملية بشكل كبير وهو أمر مقلق، دون شك، لماكرون الذي يواجه انتخابات رئاسية في ربيع العام القادم.